الجمعة، 26 سبتمبر 2025

ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها

مقدمة

الهجرة في سبيل الله من أعظم صور التضحية والفداء، وهي مظهر من مظاهر الإيمان الصادق الذي يقدّم الدين على الدنيا، والآخرة على العاجلة. وقد جاءت الآية الكريمة ﴿أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا﴾ تذمّ من قعد عن الهجرة مع قدرته عليها، مبيّنة أن الأرض كلها لله، وأن العبد مأمور بالسعي فيها حيث يجد الحرية لعبادة ربه.


سبب النزول

ذكر المفسرون أن هذه الآية نزلت في قومٍ من المسلمين بمكة الذين لم يهاجروا إلى المدينة بعد البعثة، فبقوا بين ظهراني المشركين، وكانوا يشاركونهم في بعض أعمالهم أو يعجزون عن إظهار دينهم، فلما جاء الموت لم تُقبل أعذارهم، لأنهم كانوا قادرين على الهجرة لكنهم آثروا الدنيا والراحة.

المعنى العام للآية

  • الأرض كلها ملك لله، وليست محصورة في بلد أو مكان.
  • لا عذر لمن يستطيع الهجرة من مكان يمنعه من إقامة دينه إلى مكان يستطيع فيه العبادة.
  • من تهاون وضيع دينه وهو قادر على الانتقال، فقد ظلم نفسه وعرضها لسوء المصير.

دروس مستفادة من الآية

  • الهجرة واجبة عند العجز عن إقامة الدين: فمن لم يستطع أداء عباداته أو كان يخشى على نفسه الفتنة في دينه، وجب عليه أن يبحث عن أرض أخرى يعبد الله فيها بحرية.
  • الدنيا ليست عذرًا لترك الدين: التعلق بالأهل أو المال أو الوطن لا يجوز أن يقدم على طاعة الله.
  • رحمة الله بالمستضعفين: جاءت الآيات بعدها تستثني المستضعفين الذين لا حيلة لهم ولا يستطيعون سبيلًا، فهؤلاء يعذرهم الله.
  • الإيمان قوة دافعة للحركة: المؤمن لا يعرف الجمود، بل يسعى ويجتهد في طلب ما يقيم دينه وينفع دنياه.
  • الهجرة بمعناها الواسع: لا تقتصر على الانتقال من بلد إلى بلد، بل يدخل فيها هجر المعاصي والبيئات الفاسدة إلى بيئات صالحة تعين على الطاعة.

الهجرة في حياة النبي ﷺ

هذه الآية تفتح الباب لفهم الهجرة الكبرى التي قام بها النبي ﷺ وصحابته من مكة إلى المدينة. فقد تركوا الديار والأموال والأهل، لكنهم وجدوا في المدينة أرضًا واسعة لإقامة شعائر الإسلام وبناء الدولة. وهكذا صارت الهجرة رمزًا للفداء والتجديد في حياة الأمة.

خاتمة

الآية الكريمة دعوة مفتوحة لكل مؤمن أن يجعل ولاءه الأول لله ورسوله، وأن يضع دينه فوق كل اعتبار. فحيثما ضاقت به الأرض أو ضُيّق عليه في دينه، فليتذكر قول الله تعالى: ﴿أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا﴾، فهي صرخة تحرك القلوب الغافلة، وتعلّم أن الأرض كلها لله، والعبد مأمور أن يسعى فيها حيث يجد سبيلاً لعبادته.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق